الطريق... يبدأ من هنا
الاثنين 23 شوال 1430 الموافق 12 أكتوبر 2009
http://www.islamtoday.net/nawafeth/a...-58-121020.htm
سلطان بن عبد الرحمن العثيم
مدرب معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذات
سآخذكم اليوم في رحلة أخّاذة ذات طابع مميز، فيها الرفاهية والخدمة والألفة والبسمة, وعلى متنها ما لذ وطاب من أصناف الأطعمة والشراب، وفي طياتها وسائل الترفيه المتنوعة والترويح الممتعة, يستقبلكم المضيفون بكل حب وينزلونكم في مقاعدكم بكل ودّ، ويتطلعون لإرضائكم، ويحلمون بإسعادكم، وأنتم ليس عليكم إلاّ الاسترخاء والتمتع بالرحلة ...
ربطت الأحزمة، وأغلقت الأدراج، وقُرئ دعاء السفر، وأُطفئت الأنوار، وبدأ الانتظار، وجاء وقت الإقلاع المرتقب، وما هي إلاّ دقائق، وبدأت الطائرة تسبح في السماء، معلنة بدء الرحلة، وانطلاق الطائرة إلى مستقر لها حُدّد سلفاً .
استوت الطائرة في السماء، وأضيئت الأنوار، وانطفأت إشارة ربط الأحزمة، وسُمح للناس بالتجول والتحول من القعود إلى القيام، ومن السكينة إلى الكلام ..
وفجأة التفت إليك جارك، وتساءل باحترام :
لو سمحت.. إلى أين نحن ذاهبون؟
وجهت إليه نظرة المتأمل، وارتسمت على جبينك المستغرب المئات من علامات الاستفهام، وتساءلت في قرارة نفسك في حوار داخلي مستنكر: هل هو مجنون أم أحمق .. أم انه يمازحني؟! أمعقول ذلك؟ !
لم تصدق ولم تتصور أن يقوم أحد كائناً من كان في أي زمان ومكان أن يسافر إلى وجهة لا يعرفها ولا تعرفه، و لا يعلم عنها خيراً أو شراً, نفعاً أو ضراً... أسائح هو أم تاجر؟ ذهب لطلب علم أم لطلب عمل؟ !
كان وقع السؤال قاسياً عليك وأمضيت الرحلة في ذهول لا يعادله ذهول !!
أمعقول !!
ذالك السؤال الذي أبهر المسؤول !!
لم تملك إجابة للسؤال الغريب، وفضلت أن تصمت وتتفكر .
وبينما أنت في قمة الاسترخاء على مقعدك سمعت من ورائك ومن أمامك من يتساءلون إلى أين نحن سائرون !!
قلت في نفسك إنها بالتأكيد رحلة آلاف مجنون ومجنون !!
كيف يبدأ الإنسان رحلة من غير أن يعرف البداية والنهاية, المغزى والهدف, ويجاوب على تساؤلات طبيعية:
لِمَ أنا هنا؟ ولماذا هو هناك؟
لقد استنكروا في وجدانهم الصافي سلوك وتصرفات من ركبوا الطائرة، وحلقوا في رحلة لايعرفون وجهتها ولا إلى أين تطير !!
فهل يكون ذلك مدخلاً لنا لأن نسقط الموقف المثير للاستغراب والاستهجان في آن معاً في هذه الطائرة في رحلة قصيرة ومحدودة مقارنة بعمر الإنسان و رحلته الطويلة والثرية والغنية فوق هذا الكوكب، ورسالته السامية للبشرية؟! فهل تستطيع أن تسير إلى غير هدى أو جادة , من غير بلد للوصول أو ميناء للمغادرة أو مبررات للسفر والترحال؟
بالطبع مستحيل !!
إنها رحلة لساعات من نهار وجزء من يوم وقدر من شهر، ونصيب من سنة، وحيز من عمر، والعمر يمر، والأيام لا تعود !!
فكيف نخطط لرحلة قصيرة، وسفرة عابرة، وساعات معدودة، ولا نخطط لرحلة العمرالمديد في الخيرات، والعامر بالطاعات بإذن الله .
فلو جمعنا هذا المربع مع باقي المربعات الأخرى المكونة لرحلة الإنسان ككل في هذا الطريق الواضح المعالم، الدقيق الوصف لعرفنا كيف يكمن الفرق؟ وأين بين النجاح والفشل، وبين السعادة والتعاسة، وبين القمة و القاع؟ !
إنه يكمن فينا نحن بني البشر، وإدارتنا للأولويات الحياتية الهامة، وترتيب الرحلة الكبرى، وهي عمر الإنسان منذ ولد حتى يتوفاه الله سبحانه ترتيباً كاملاً ودقيقاً لا مجال فيه للاعتباط والإهمال والاستهتار، ولا مدخل فيه للتأجيل والتسويف والتراخي .
أجرت جامعة هارفارد العريقة بحثاً موسعا على (100) من طلابها عام 1970، وقد طُلب من الطلاب الذين لديهم خطط واضحة وأهداف مكتوبة لحياتهم أن يتقدموا بها، فوجدوا أن من يتوفر لديهم هذا الطلب هم فقط 3% من الطلاب ..
سجلت الجامعة بيانات جميع الطلاب للتواصل معهم فيما بعد لاستكمال البحث ومعرفة النتائج، وبعد عشرين عاماً وبالتحديد عام 1990 تواصلت إدارة الجامعة مع جميع الطلاب المائة، وكانت النتائج مبهرة جداً ومثار دهشة القائمين على البحث؛ إذ أثبتت أن الـ 3% الذين حددوا أهدافهم وخططوا لحياتهم، هم يملكون من الثروة ما يملكة الـ 97% الباقين مجتمعين، وأنهم يتبوؤن مناصب قيادية ومواقع مؤثرة جداً في المجتمع !!
وأنهم أيضاً حققوا أحلامهم وطموحاتهم التي رسموها في تلك الفترة، وهم الآن يتذوقون طعم النجاح، ويستمتعون به بكل راحة واستقرار، ويحصدون ما زرعوه من تنظيم وترتيب وتحديد للأولويات، مع عمل دؤوب ورغبة مشتعلة ورؤية واضحة ...
إن ثقافة تحديد الأهداف، ورسم الخطط، وكتابة الرؤية، ومعرفة رسالة الإنسان في الحياة لهي مدخل السعادة وعنوان النجاح وأرضية التفوق، وسقف الرضا عن الذات، ورضا الله عن المخلوقات .
فلن نجد فرداً أو مؤسسة أو شركة أو دولة أو أمة حالفها النجاح والرقي والتمكين، وعانقوا السحاب مهللين مستبشرين بنهضتهم وتميزهم وبلوغهم القمة، إلاّ وهم أهل خطة ورسالة ورؤية ودراية .
فلا أسرار فوق الأرض، ولا جديد تحت الشمس، والكتاب يبين من عنوانه كما أعرف و تعرفون .
استرخ قليلاً، وابتعد عن الضوضاء والمقاطعة، و تخيلْ على يمينك الآن دائرة وسمها دائرة الواقع، وانظر على يسارك وتخيل دائرة أخرى، وسمها دائرة الطموح .
انقلْ هذا التخيل إلى ورقة بيضاء، ومن ثم صلْ دائرة الواقع التي في أقصى اليمين بدائرة الطموح التي بأقصى اليسار ..
ذلك الخط المستقيم الذي وُضع بين الدائرتين هو الخطة، وهي التي سوف تنقلكم بإذن الله تعالى إلى عالم المجد والرفعة وعالم السعادة والسمو... عالم تحقيق الأحلام والعيش بين النجوم، فمن يأبى ذلك المنزل الرفيع، ويقبل المنزل الوضيع إلاّ خائر الهمة، عديم الحيلة، فاقد الحكمة، ومضيع الفرص .
ولكي نكون عمليين عليّ أن أفصّل هنا، ونبدأ معكم في طرح تقنيات صناعة الأهداف ورسم الرؤيا سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة .
حدد هدفاً قصيراً هذه المرة، هذا اليوم، أو هذا الأسبوع، مثل بداية حمية غذائية، أو زيارة قريب، أو الاستيقاظ لصلاة الفجر، أو بداية ممارسة رياضة المشي، أو قراءة كتاب، أو الاستماع إلى ألبوم صوتي مفيد، أو التخلص من عادة سيئة مثل: السهر، أو التدخين، أو الغيبة .
تذكر أن تنفذ ما حدّدته بدقة، وكافئ نفسك على ذلك؛ لأن تلك الأهداف القصيرة لو طُبّقت بشكل صحيح فسوف تكون مدخلاً لأهداف كبرى عظيمة بإذن الله .
بعد أن تحققوا أهدافكم لهذا الأسبوع عليكم الجلوس للتأمل فيما تحبون وما لا تحبون من الأعمال والتوجهات والأفكار؛ لأنك الآن سوف تكتب رسالتك في الحياة وأهدافك القصيرة والإستراتيجية، وتحدّد الرؤية لمستقبل حياتك، فاستعد لأهم عمل في حياتك .
تأملْ ذلك جيداً في جلسة استرخاء، وابدأ بكتابة رسالتك في الحياة، وهي الدور الذي سوف تلعبه في الحياة، وهنا لابد أن تجمع بين ما تريد أنت لنفسك، ومن ثم لأهلك ومجتمعك وأمتك .
مثال ذلك: (رسالتي في الحياة إرضاء الله خالقي ومولاي، وإسعاد نفسي وأسرتي، و البحث عن النجاح والعيش الهانئ، وأن أكون نافعاً ومؤثراً في الآخرين بالخير، وأن أشارك في بناء وطني و نهضة أمتي في ما أحمل من تخصص ومعرفة)) .
هذه رسالة مكتملة العناصر لأنها شملت الله الخالق، و الإنسان نفسه، ومجتمعه، وأمته، وقسْ على ذلك في ما تحب وما تريد أنت أن تكون رسالتك في الحياة، وهي بإذن الله رسالة سامية راقية مضيفة، فأنت خليفة الله في الأرض، ووريث النبوة الشريفة .
وهنا أفضل أن توضع الرسالة في مكان بارز تراه بشكل دائم، فتحفزك على العمل وتحقيق هذه الأبعاد المهمة في حياتك وحياة أمتك التي تنتظر منك أن تترك بصمتك .
بعد أن تنتهي من كتابة الرسالة ابدأ في كتابة الأهداف، والتي يجب أن تكون واضحة ومحدده بزمن، وقابلة للقياس، وواقعية، مع قدر مقبول من الجنون أو الخيال؛ لأنه أساس الإبداع والاختراع .
قسّم الأهداف إلى ثلاثة أنواع: قصيرة الأجل، وهي أهدافك خلال العام، ومتوسطة الأجل، وهي ما تريد أن تحققه خلال خمس سنوات، وأهداف إستراتيجية، وهي طويلة تصل إلى حوالي عشر سنوات أو أكثر .
وتأمل في أولوياتك في الحياة على المستوى الروحي والشخصي والأسري والعملي والاجتماعي .
وقسم الأهداف على تلك القاعدة، ورتّب أولوياتك على قاعدة الأهم فالمهم فالأقل أهمية .
وابتعد عن الاستعجال في صياغة الأهداف، وخذ وقتك الكافي، واكتب ومزق من الأوراق ما شئت، ولكن إذا وصلت إلى الصيغة النهائية احتفظ بها، وانقش كل حرف فيها، وكل مستوى في عقلك وفؤادك وروحك المليئة بالجواهر والأصداف؛ فهذا هو المسار، وأنت الطائرة، وليس عليك إلاّ أن تحلق، وإذا واجهتك الحياة بنوائبها، ومصاعبها، وهمومها فاعمل ما بوسعك، ولا تتقاعس، واتكل على الله؛ فإنه كافيك، يحب عبده اللحوح، ويقرب عبده الصادق، ويعز عبده العامل، ويرفع عبده المنجز، ويسعد عبده المتفاني، ويذكر عبده القوي العالم في من عنده .
وبعد ذلك إذا طُعنت من الخلف فاعلم أنك في المقدمة؛ فالأجساد الميتة لا تُركل .
فبادر قبل أن تغادر، وانظر إلى الأمام، ولا تستغرق في الماضي، فتضيع في التيه، وتدور في حلقة مفرغة لا بداية لها ولا نهاية، ويصيبك الدوار فلا تستطيع قدماك أن تحملك؛ فتسقط من الإعياء بعد رحلة طويلة وتكتشف بعد هذه السنين الطويلة وعمرك المهدر أنك الآن في نفس النقطة التي انطلقت منها قبل دهر من الزمن؛ فأنت باختصار كنت تتخبط !!
من محبرة الحكيم
((إذا فشلت في التخطيط .. فلقد خططت للفشل))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق